samedi 13 décembre 2014

نصوص فلسفية منجزة

أنا أفكر إذن أنا موجود
                                                   
وهكذا فإني و لما رأيت أن حواسنا تخدعنا أحيانا، افترضت أنّ لا شيء هو في الواقع على الوجه الذي تصوره لنا الحواس . وكذلك لما وجدت أن هناك رجالا يخطئون في استدلالاتهم ، حتى في أبسط مسائل الهندسة، ويأتون فيها بالمغالطات ، وأني كنت عرضة للزلل في ذلك كغيري من الناس ، أعتبر باطلا كل استدلال كنت أحسبه من قبل برهانا صادقا. وأخيرا، لما لاحظت أن جميع الأفكار، التي تعرض لنا في اليقظة، قد ترد علينا في النوم ، من دون أن يكون واحد منها صحيحا، عزمت على أن أتظاهر بأن جميع الأمور التي دخلت عقلي لم تكن أصدق من ضلالات أحلامي . ولكني سرعان ما لاحظت ، وأنا أحاول على هذا المنوال أن أعتقد بطلان كل شيء، أنه يلزمني ضرورة، أنا صاحب هذا الاعتقاد، أن أكون شيئا من الأشياء. ولما رأيت أن هذه الحقيقة : أنا أفكر، إذن أنا موجود ، هي من الرسوخ بحيث لا تزعزعها فروض الريبيين مهما يكن فيها من شطط ، حكمت بأنني أستطيع مطمئنا أن أتخذها مبدأ أولا للفلسفة التي كنت أبحث عنها.
ثم إني أمعنت النظر بانتباه في ما كنت عليه ، فرأيت أنني أستطيع أن أفرض أنه ليس لي أي جسم ، وأنه ليس هناك أي عالم ، ولا أي حيّز أشغله ، ولكنني لا أستطيع من أجل ذلك أن أفرض أنني غير موجود، لأن شكي في حقيقة الأشياء الأخرى يلزم عنه بضد ذلك ، لزوما بالغ البداهة و اليقين ، أن أكون موجودا ، في حين أنني ، لو وقفت عن التفكير، وكانت جميع متخيلاتي الباقية حقا، لما كان لي أي مسوغ للاعتقاد أنني موجود. فعرفت من ذلك أنني جوهر كل ماهيته أو طبيعته لا تقوم إلا على الفكر، ولا يحتاج في وجوده إلى أي مكان ، ولا يتعلق بأي شيء مادي ، بمعنى أن " الأنا " أي النفس التي أنا بها ما أنا، متميزة تمام التميز عن الجسم ، لا بل إن معرفتنا بها أسهل .


ديكارت
                            " مقالة الطريقة "


الأطروحة:  انّ الأنا جوهر فكري خالص مستقلّ تمام الاستقلال عن الجسد.

الإشكالية:  بأيّ معنى يكون وجود الأنا مبدأ أوّلا و منطلقا في الفلسفة ؟ و ما طبيعة هذا الوجود ذاته ؟

بنية النّص:

1-   البرهنة على أنّ الأنا حقيقة أولى و أساسيّة في الفلسفة.
2- البرهنة على تميّز الأنا بما هو فكر عن الجسد و المادّة.
3- التّخلّص إلى نتيجة النّص و أطروحته.

التّحليل:

1-   الأنا بما هو الحقيقة الأولى و الأساسيّة في الفلسفة:

       §          التّذكير بمراحل الشكّ في الأفكار و الآراء و المعارف:

ü        الشكّ في الحواسّ لأنّها تخدع                المعرفة الحسّية باطلة.
ü        الشكّ في الاستدلالات العقليّة                 المعرفة العقليّة خاطئة.
ü        الشكّ في كلّ الحقائق و المعارف بسبب أنّه ليس هناك أمارات تميّز بين حالة النّوم و حالة اليقظة
                                                    كلّ الأمور غير صادقة و مغلوطة.

        الشكّ يقود إلى هذه الحقيقة و هي أنّ الأنا الذّي يشكّ و يفكّر موجود.
الأنا الذّي يشكّ لا بدّ أن يكون شيئا من الأشياء.
حقيقة الكوجيتو تمتاز بيقينيّتها و بداهتها.
بذلك تكون مبدأ أوّلا و منطلقا للفلسفة.

  لكن إذا كان الأنا يمثّل الحقيقة الجوهريّة و الأساسيّة في الفلسفة، فما هي مقوّماته و ميزاته ؟



2-    تميّز الأنا بما هو فكر عن الجسد و المادّة:

       §          التّذكير بمراحل الشكّ في الأشياء المادّية و في الوجود بصفة عامّة:

ü        الشكّ في وجود الأشياء الطّبيعيّة و المادّية
ü        الشكّ في وجود الأنا كجسم.
ü        الشكّ في الوجود بصفة عامّة.

يفترض ديكارت أنّ ليس للأنا جسم + أنّه لا يشغل أيّ مكان + ليس هناك عالم.
    لكن لا يمكن أن نفترض أنّ الأنا غير موجود، لأنّ فعل الشكّ و التّفكير يثبت وجوده.
    يمكن أن نعتبر الأنا غير موجود فقط متى توقّف عن التّفكير.

خصوصيّة الذّات أو الأنا، هو أنّه يوجد، لا كجسم و مادّة تنقسم إلى ما لانهاية، و تحتلّ موضعا أو مكانا معيّنا في الامتداد الخارجي، و انّما في أنّه جوهر بسيط ( يعني غير قابل للانقسام، و هو بما هو بسيط معرفته بسيطة و يسيرة ).

     ماهيّة و طبيعة الأنا قائمة على الفكر وحده. لا يحتاج إلى مكان لأنّه غير ممتدّ و غير مادّي. الأنا هي النّفس التّي بها أنا ما أنا.
   
قوام الذّات الإنسانية ليس وجودها كجسد و انّما وجودها كفكر و روح.


مكاسب النّص:

                    ×        ينتهي ديكارت إلى التّمييز بين  النّفس      و       الجسد.




                                       جوهر مفكّر بسيط                جوهر ممتدّ                   

غير قابل للانقسام                مركّب و قابل للقسمة              
معرفته يسيرة.                    إلى ما لا نهاية.                      
    معرفته صعبة و عسيرة.

التّصوّر الدّيكارتي لمسألة النّفس و الجسد هو تصوّر ثنائي.




يفسّر الإنسان بإرجاعه إلى مبدأين متمايزين: النّفس/ الجسد.



هل نعرف الجسد ؟
                                                    


إن النفس والجسد شيء واحد، تارة نتصوره بصفة الفكر وطورا بصفة الامتداد مما يجعل نظام الأشياء أو ترابطها هو الأمر نفسه سواء أكانت الطبيعة متصورة على هذا النحو أو ذاك . مما يترتب عنه أن نظام أفعال الجسد وأهوائه تتوافق بالطبع مع نظام أفعال النفس وأهوائها (...) وبالرغم من أن طبيعة الأشياء لا تسمح بأي شك في هذا الشأن فإنني أحسب مع ذلك أن البشر، ما لم نمدهم بتأكيد تجريبي لهذه الحقيقة فانهم سيجدون صعوبة في قبول تقليب هذا الأمر بعقل غير متحيز لشدة اقتناعهم بأن الجسد يتحرك تارة و طورا يكف عن الحركة بأمر من النفس وحدها، ويأتي أفعالا عديدة أخرى متوقفة على إرادة النفس وحدها وعلى طريقتها في التفكير. فلا أحد إلى الآن - والحق يقال - قد بين ما يستطيع الجسد فعله أي أن التجربة لم تعلم أحدا إلى اليوم ما يمكن للجسد بواسطة قوانين طبيعته وحدها، منظورا إليها بما هي جسمية فحسب ، أن يفعله وما لا يمكن له أن يفعله إلا ما كان محددا من قبل النفس . وبالفعل فانه لا يعرف أحد تركيبة الجسد بقدر كبير من الدقة بحيث يمكن له أن يفسر كل وظائفه ، دون أن نفصل الرأي هنا في ما نلاحظه عديد المرات في الدواب مما يتجاوز الفطنة البشرية على نحو كبير أو ما يفعله غالب الأحيان - النائم الماشي ، مما لا يجرأ عليه في يقظته . وإن ذلك ليبين بما فيه الكفاية أن الجسد يستطيع بواسطة قوانين طبيعته وحدها القيام بأشياء كثيرة تحمل النفس على الدهشة. ولا أحد يعرف كذلك كيف تحرك النفس الجسد ولا أية درجة من الحركة تستطيع أن تحدث فيه ، ولا بأي سرعة يمكن لها تحريكه؛ فيترتب عن ذلك إن الذين يقولون إن هذا الفعل أو ذاك من أفعال الجسد متأت من النفس التي لها نفوذ كبير عليه ، إنما يقولون ما لا يعلمون ، وليس لهم من سبيل سوى الاعتراف ، في لغة مموهة، بجهلهم للعلة الحق لفعل لا يثير لديهم أيّة دهشة. بيد أنه قد يقال إننا، سواء أعرفنا بأية وسائل تحرك النفس الجسد أم لم نعرف ذلك ، فإننا - مع ذلك - على بينة بواسطة التجربة أن الجسد سيكون عاطلا لو كانت النفس قاصرة عن التفكير. ونحن نعرف أيضا بالتجربة أنه في مقدور النفس كذلك أن تتكلم أو أن تصمت وأشياء أخرى نظنها بعدئذ خاضعة لأمر النفس .
فأما في ما يتعلق بالحجة الأولى فاني أطلب من الذين يعتمدون التجربة ما إذا لم تكن هذه التجربة تفيد أيضا أنه إذا كان الجسد من ناحيته ساكنا فان النفس في ذات الوقت تكون قاصرة عن التفكير، فحينما ينقاد الجسد إلى الراحة في النوم فان النفس تبقى فعلا نائمة بنومه وليس لها قوة التفكير التي لها أثناء اليقظة ويعرف الجميع بالتجربة أيضا فيما أعتقد أن النفس ليس بوسعها دوما التفكير بنفس القدر في الموضوع الواحد، وأنه بحسب استعداد الجسد لاستيقاظ صورة هذا الموضوع أو ذاك تكون النفس أكثر استعدادا لاعتبار هذا الموضوع أو ذاك ...
و أما عن الحجة الثانية فمن المؤكد أن شؤون البشر ستكون طبعا في حال أفضل لو كان باستطاعتهم أيضا الصمت أو الكلام على حد سواء ؛ بيد أنه ، وقد بيّنت التجربة ذلك بيانا مستفيضا، أن لا شيء أصعب على البشر من التحكم في ألسنتهم وليس أمرا يقصرون فيه قدر تقصيرهم في السيطرة على نوازعهم ، ولذلك يعتقد أغلب الناس أن حرية الفعل لدينا موجودة فحسب فيما يتعلق بالأشياء التي نميل إليها بعض الميل لأنه من الهين علينا إخضاع النزوع بتذكر شيء آخر كثيرا ما نستحضره ، في حين أننا لسنا أحرارا إطلاقا فيما نميل إليه بإقبال شديد لا يحد منه تذكر أي شيء آخر. و إذا كانوا مع ذلك لا يعلمون بالتجربة أننا نندم في عديد المرات على ما قمنا به من أفعال ، وأننا في الغالب ، عندما تتغلب علينا انفعالات متعارضة ندرك الأفضل ونأتي الأرذل ، فلا شيء يمنعهم عندئذ من الاعتقاد أن كل أفعالنا حرة. وهكذا يظن الرضيع انه يشتهي الحليب بكل حرية، والفتى أنه يريد الثأر من جراء غضبه والجبان انه يريد الفرار، كذلك يظن المخمور أن ما يقوله قرار حر صادر عن النفس في حين أنه يود - حال تخلصه من تأثير الخمر عليه - أن لا يتفوه بما كان قد تفوه به ، كذلك الشأن بالنسبة إلى الهاذي والثرثار والطفل وعدد كبير جدا من الأفراد من نفس الطينة الذين يعتقدون أنهم يتكلمون بقرار حر من النفس في حين أنه ليس بوسعهم التحكم في ما دفعهم إلى الكلام ، تبين التجربة إذن بالقدر نفسه الذي يبينه العقل أن البشر يعتقدون أنهم أحرار، لهذا السبب الوحيد المتمثل في أنهم واعون بأفعالهم وجاهلون بالعلل التي تتحكم فيها، وأن أوامر النفس ليست شيئا آخر سوى النوازع ذاتها، وهي تتغير بالتالي بحسب الاستعداد المتغير للجسد.


سبينوزا

                           " كتاب الأخلاق " 


التّخلّص:

q    تذكير بمكاسب النّص السّابق:

التصوّر الدّيكارتي لمسألة النّفس و الجسد هو تصوّر ثنائي.

q    طرح المفارقات:

ü                 كيف يعتبر ديكارت أب الحداثة و هو الذّي حافظ على الثّنائيّة الأفلاطونيّة النّفس/الجسد ؟
ü                 إلى أيّ مدى يمكن القبول بثنائيّة النّفس و الجسد ؟
ü                 هل يعتبر ديكارت مصيبا في اتّباع فكرة علوّ النّفس و سموّها عند أفلاطون ؟

الأطروحة:  انّ أفكار النّفس أهواء و رغبات جسديّة.
 أو: انّ ما هو نفسي جسدي.

الأطروحة المستبعدة:  انّ النّفس متميّزة و مستقلّة تماما عن الجسد ( التّصوّرات الثّنائيّة للنّفس و الجسد ).

الإشكالية:  هل أنّ أفكار النّفس تسير بمعزل عن أهواء الجسد ؟ أم أنّها لا تعدو سوى أن تكون صدى و تعبيرا عن نوازع هذا الجسد و رغباته ؟

بنية النّص:

1- ضبط الأطروحة.
2- عرض الموقف المضادّ.
3- إثبات محدوديّة هذا الموقف.
4- بسط لحجج الموقف المستبعد.
5- الردّ على هذه الحجج.
6- التّخلّص إلى استتباع المماهاة بين النّفس و الجسد: نفي التصوّر الشّائع للحرّية.

التّحليل:

                   1)            وحدة النّفس و الجسد:

                    ¨             ملامح التّصوّر السبينوزي للعلاقة بين النّفس و الجسد:

يقرّ سبينوزا، في بداية هذا النّص، أنّ النّفس و الجسد شيء واحد، يعبّران عن نفس الجوهر. ما يتغيّر، هو فقط أنماط تصوّرنا لهذا الجوهر، نتمثّله أحيانا كفكر و أحيانا أخرى من حيث هو امتداد.
    
ينتج عن هذا الإقرار مماهاة بين:

-       أفعال الجسد و أفعال النّفس ( التذكّر، التّخيّل، التّفكير هي أفعال جسديّة أوّلا و بالأساس و ذلك على عكس التّصوّر الدّيكارتي ).
- الفكرة و الرّغبة.

                   q                   التّصوّر القديم للعلاقة بين أفكار العقل و الرّغبات:


                                 الفكرة                         الرّغبة

تجريد من كلّ ما هو مادّي.          جسديّة، مادّية.
تعبير عن استقلاليّة الفكر.            تعبير عن التّبعيّة
ثابتة، شاملة، عامّة.                  و العبوديّة و القدرة      
تعكس الحرّية.                       الطّبيعيّة.
                                                               متقلّبة، جزئيّة.

 أفعال الإنسان متأسّسة على الإرادة، و الإرادة تحدّدها أفكار العقل.

الفعل الحرّ ينبني على تفكير عقلي يقوم بإقصاء الجسد و رغباته.

                   q                   القلب السبينوزي:


الفكرة = رغبة، هوى، ميل.
     
نظام الأفكار غير متعال عن نظام الرّغبات و الأهواء الجسديّة.

انّ الإنسان، من حيث هو متوحّد و عيني، ليس كائن معرفة بقدر ما هو كائن رغبة.
يقول سبينوزا في الكتاب الثّالث من " الأخلاق ": " انّ ماهيّة الإنسان هي الرّغبة ". و الرّغبة هي المجهود الذّي يبذل حتّى يتواصل الوجود.

انّ الفكرة أو المعرفة، عند سبينوزا، ليست هدفا للرّغبة ( كما هو الشّأن بالنّسبة لأفلاطون و أرسطو )، بل الإنسان لا يجهد نفسه في التّخيّل و في المعرفة الاّ لكي يبسط رغبته ( أي وجوده الاثباتي ).

و هذه الرّغبة، حسب سبينوزا، ليست منحصرة في مجال الحسّ الذّي درجت العادة على اعتباره مصدرا للشرّ و للعبوديّة، بحيث يتوجّب قمعه بواسطة العقل و الأخلاق، بل انّ العقل نفسه و نظام الأفكار فيه ليس في آخر الأمر سوى نوازع جسديّة.
  
يلغي سبينوزا جوهريّة النّفس: النّفس ليست جوهرا مستقلاّ و متميّزا، و انّما هي صوت الجسد و تعبيرته.

                    ¨                    الإشكال الذّي يتضمّنه إقرار الكاتب:

                   q                   تعريف النّفس: " لسان العرب ": النّفس في كلام العرب يجري على ضربين: أحدهما قولك خرجت نفس فلان أي روحه. و في نفس فلان أن يفعل كذا و كذا، و الضّرب الآخر: معنى النّفس فيه معنى جملة الشيء و حقيقته.

قال ابن خالويه: النّفس، الرّوح، و النّفس ما يكون به التّمييز و هي تزول بزوال العقل.

       q       تعريف الجسد: " لسان العرب ": جسم الإنسان، و لا يقال لغيره من الأجسام المغتذية، و لا يقال لغير الإنسان.

و قال أبو إسحاق: الجسد هو الذّي لا يعقل و لا يميّز، انّما معنى الجسد معنى الجثّة فقط.

فإذا كانت النّفس ما به نتمكّن من التّمييز و من الحكم على الأشياء، باطلها و صادقها، أفضلها و أرذلها، و إذا كان الجسد لا يعقل و لا يميّز ( كما جاء في لسان العرب )، فكيف لسبينوزا أن يماهي بين:

                     الجسد/الجثّة     و      النّفس/العقل،
                     و بين الرّغبة    و      الفكرة ؟

ثمّ ألا يقوم سبينوزا، في هذا النّص، بالجمع بين سجلّين لا يمكن أن يجتمعا أبدا الاّ إذا تخلّينا، في نفس الوقت، عن مبدأ المعقوليّة و عن مطلب الحرّية ؟

                    ¨                    برهنة الكاتب:

                   q                   البرهنة ضدّ الموقف المعاكس أو إثبات محدوديّته:

                   v                   ناجم عن جهل بتركيبة الجسد:

        غياب معرفة دقيقة بإمكانات الجسد و قدراته.

جهل بمستطاع الجسد.

أمثلة:  - الدّواب: يعتبر فلاسفة القرن 17، و من بينهم ديكارت، أنّه ليس للحيوانات نفس. فالحيوان لا يعدو أن يكون سوى آلة جسديّة. يثبت مثال الدّواب أنّ الجسد قادر لوحده على التّحرّك و على القيام بأفعال لا يكون مصدرها النّفس. فلماذا لا نقرّ بنفس الشيء بالنّسبة لجسد الإنسان ؟

        - النّائم الماشي: انّ الجسد يأتي أفعالا، حتّى في حالة غفلة العقل و غيابه.

                   v                    يعجز هذا الموقف كذلك عن تفسير كيفيّة تحريك النّفس للجسد:

إذ كيف يحرّك شيء مجرّد شيئا مادّيا.

                   q                   تحديد ضعف حجاج أنصار هذا الموقف:


                   v                   استحضار براهينهم:

ü                 حجّة تجربيّة 1: الجسد سيكون عاطلا لو كانت النّفس قاصرة عن التّفكير.
ü                 حجّة تجربيّة 2: النّفس قادرة على أفعال تتجلّى جسديّا ( الصّمت، الكلام الخ...)

                   v                   دحض هذه البراهين:

ü                 الحجّة 1: استحالة التّفكير في حالة انهاك الجسد.
ü      الحجّة 2: ظاهرة النّدم تثبت أنّ أفعال البشر ليست ناتجة ضرورة عن تبصّر عقلي و إرادة حرّة، بل مصدرها نوازع و ميولات جسديّة جارفة.

                  ¨                    الأساس النّظري لوحدة النّفس و الجسد:

انّ النّفس و الجسد لهما وجود واحد، و ذلك كاتّحاد اللّه و الطّبيعة. اللّه حالّ في الطّبيعة. اللّه يتجلّى في المادّة. و ذلك ما يسمّى بوحدة الوجود  Panthéisme.

يترتّب عن ذلك أنّه لا وجود لجوهر مفكّر مفكّر، مستقلّ و متميّز عن الجوهر الممتدّ، كما هو الشّأن بالنّسبة إلى ديكارت، بل الجوهر عند سبينوزا متوحّد.

- على أساس هذه الوحدة يتمّ القضاء على الثّنائيّة.


2- المراجعة النّقديّة لمفهوم الحرّية:

                    ¨                    التّصوّر الشّائع للحرّية:

الأفعال الإنسانية تتأسّس على إرادة انسانيّة حرّة ( الحرّية هي حرّية الإرادة في أن تفعل ما تشاء ).
    
الحرّية تعني غياب الموانع و الضّرورات.

المفترض: يتأسّس هذا التّصوّر على فكرة الثّنائيّة ( النّفس/الجسد ).
  
القول بالثّنائيّة يؤدّي إلى علوّ النّفس و حرّية الإرادة الإنسانية، إذ أنّ استقلاليّة النّفس عن عالم المادّة و الضّرورة يمكّن من اعتبار الإرادة الإنسانية حرّة.

                    ¨                    التّجاوز السبينوزي لثنائيّة النّفس/الجسد يؤدّي إلى نفي الحرّية في معناها الشّائع.
    
انّ الفعل الإنساني ليس ناتجا عن إرادة، بقدر ما هو استتباع لهوى و لميل جسدي.

( لسان العرب )

هوى النّفس، إرادتها، و الجمع الأهواء.
قال اللّغويّون: الهوى محبّة الإنسان الشيء و غلبته على قلبه.
قال اللّه عزّ و جلّ: و نهى النّفس عن الهوى، معناه نهاها عن شهواتها و ما تدعو إليه من معاصي اللّه عزّ و جلّ.
نقول: استهوته الشّياطين: ذهبت بهواه و عقله.
                           هوت به و أذهبته، جعله من
                           هوى يهوي ( السّقوط ).
    الهاوية: هي اسم من أسماء جهنّم.

عوض أن تتأسّس أفعال الإنسان على إرادة حرّة و متبصّرة، مستندة إلى ممارسة عقليّة منزّهة، تكون تجسيما لميولات و شهوات جسديّة.
    
يترتّب عن ذلك أنّ الحرّية بالنّسبة لسبينوزا لا تتمثّل في كبح جماح الرّغبات و الميولات الجسديّة، لأنّ ذلك غير ممكن إذ كلّ ما كان يعتقد أوامر للإرادة و للنّفس، إن هو في الأخير الاّ نوازع جسديّة، و انّما في معرفة، و في الوعي بالرّغبات التّي تحكم جسدنا.
   
انّ التحرّر ليس تقويضا و هدما للرّغبة، و لكنّه فقط تحويل لها عبر التّأمّل.
   
ليست الحرّية، إذن، إفلاتا خارج الطّبيعة أو سلبا للجسد، و انّما هي، على العكس من ذلك، تحقّق لقدرات الفكر و الجسد المشتركة في هذه الطّبيعة بالذّات و ذلك وفق قوانينها.

مكاسب النّص:

                    ×                    تجاوز ثنائيّة النّفس و الجسد، و الإقرار بوحدة الجوهر.
                    ×                    تجذير الأفكار في نسيج الرّغبات الجسديّة.
                    ×                    الحرّية من حيث هي تعال عن الضّرورة و الرّغبة و الهوى، غير ممكنة.
Ø                      كلّ ما يستطيعه الجسد فاضل.


" الجسد الخاص "
                                                     


عندما كان علم النفس الكلاسيكي يصف " الجسد الخاص "، كان ينسب إليه بعد " خاصيات " تتنافى مع منزلة الموضوع ، فكان يذهب إلى القول منذ البداية بأن جسدي يتميز عن الطاولة أو الفانوس لأنه يدرك بصفة مستمرة في حين انه يتسنى لي الإغضاء عنهما. إنه إذن موضوع لا ينفصل عني ولكن هل يبقى عندئذ موضوعا ؟ إذا كان الموضوع بنية لا تتغير فإن الجسد الخاص ليس كذلك رغم تغير المنظورات بل هو كذلك داخل هذا التغير أو خلاله (...) وهو ليس موضوعا بمعنى مثوله أمامنا إلا لأنه قابل للملاحظة أي يتنزل بين أيدينا أو نظراتنا متحولا تسترجعه كل حركة من حركاتها (...) ولا يكون الموضوع ، بصفة خاصة، موضوعا إلا إذا أمكن إبعاده فإخفاؤه في أقصى الحالات عن مجالي البصري (...) والحال أن استمرارية الجسد الخاص هي من جنس آخر تماما، ليس هو في نهاية المطاف استكشافا لا متناهيا، إنه يمتنع عن الاستكشاف ، ينتصب أمامي من نفس الزاوية دائما، فاستمراريته ليست في العالم بل من ناحيتي (...) وليست استمرارية جسدي حالة خاصة من الاستمرارية في عالم الموضوعات الخارجية فحسب ، بل لا يمكن فهم الثانية أيضا إلا بالأولى ؛ ليست منظورية جسدي حالة خاصة من منظورية الموضوعات فحسب بل وأيضا لا يفهم التقديم المنظوري للموضوعات إلا بمقاومة جسدي لكل تغير في المنظور. فإذا كان يجب على الموضوعات ألا تبدي لي أبدا إلا أحد وجوهها فذلك لأنني موجود في موقع ما أنظر من خلاله إليها ولا أستطيع رؤيته . إلا أنه إذا اعتقدت في وجود جوانبها الخفية مثلما أعتقد في وجود عالم يجمعها جميعا ويتواجد معها فذلك باعتبار أن جسدي ، الذي هو دوما موجود بالنسبة إلي ، ومنخرط مع ذلك وسط الأشياء بروابط موضوعية عدة يجعلها مستمرة في تواجدها معه ويجعلها جميعا تخفق بنبضة ديمومته.


مرلوبونتي

" ظاهراتيّة الإدراك "

التّخلّص:

q    تذكير بمكاسب النّص السّابق:

قام سبينوزا بتجاوز ثنائيّة النّفس و الجسد، و ذلك بأن جذّر أفكار النّفس في نسيج الرّغبات الجسديّة.

لم يعد ما هو جسدي عند سبينوزا مناقضا للحقيقة و معرقلا عن بلوغها، بل أصبح هذا الجسد برغباته و أهوائه مصدرا و مسكنا لحقيقة لا تتعالى عن ما هو حسّي و مادّي.

q    الرّبط:

لكن إن مكّنت الفلسفة السبينوزيّة من إرساء التّفكير في مسألة الجسد على أرضيّة جديدة تتجاوز التّصوّرات الثّنائيّة، فانّ هذه المرجعيّة لم تقم بتحديد ما يميّز جسدي عن بقيّة الأجسام الممتدّة خارج مفهوم الرّغبة.

يجب انتظار فلسفة ميرلوبونتي الفينومينولوجيّة، حتّى نتمكّن، ليس فقط من تحديد العلاقة بين الوعي و الجسد، و انّما كذلك من بيان طبيعة الرّوابط بين الجسد الخاصّ أو جسدي، و الأشياء.

الأطروحة:  انّ الجسد الخاصّ يختلف عن الجسد الموضوع من حيث هو شرط لإدراك العالم.

الأطروحة المستبعدة:  انّ الجسد الخاصّ موضوع مميّز من مواضيع المعرفة العلميّة ( موقف علم النّفس الكلاسيكي ).

 الإشكالية:  هل الجسد مجرّد امتداد موضوعي للأشياء فحسب ؟ أم أنّه يتميّز عنها من حيث هو شرط إدراكها ؟

تفكيك العناصر:


2.    الدّحض الفينومينولوجي لهذا التّصوّر ( الفرق بين الجسد الخاصّ و الجسد الموضوع ).


التّحليل:


                    ¨        تعريف علم النّفس:

                    ×         بصفة عامّة:
 
     علم سلوك الإنسان أو حتّى بعض الحيوانات السّامية ( علم نفس الحيوان ). يدرس هذا العلم في الإنسان وظائفه النّفسيّة و نشاطاته الذّهنيّة كالإدراك و الذّاكرة و الذّكاء، بمعنى آخر الطّريقة الواعية أو اللاّواعية التّي يحسّ بها البشر و يفكّرون و يتعلّمون و يعرفون.

                    ×        علم النّفس الكلاسيكي:

     من أهمّ روّاد هذا العلم في القرن 19، هو فرانس برانتانو Franz Brentano . تدعو هذه المدرسة إلى استخدام المنهج التّجريبي، المعتمد في العلوم، في علم النّفس أي تأسيس علم النّفس على مقاربة وصفيّة للوقائع النّفسيّة.

قدّم هذا العلم الرّكائز الأولى لنظريّة الإدراك، فانتهى روّاده إلى بناء نظريّة نفسيّة في إدراك موضوعات يقع اعتبارها مستقلّة عن الذّات ( ثنائيّة الذّات المدرِكة/الموضوع المدرَك ).

      الإدراك، حسب هذا العلم، صفة من صفات النّفس ( الذّات ).

      تتأصّل هذه التّصوّرات النّفسيّة الكلاسيكيّة للإدراك في الثّنائيّة الدّيكارتيّة ( النّفس/الجسد ).

انّ العودة إلى كتاب " المبادئ " أو حتّى " التّأمّلات الميتافيزيقيّة " لديكارت، تبيّن أنّ مفاهيم الإدراك و الفهم تكتسي نفس الدّلالة تقريبا. انّها تحدث كلّها في مجال الفكر أو النّفس ( الإحساس أو الإدراك هو بالأساس خاصّية نفسيّة فكريّة ).

                    ¨        استتباع هذا الموقف على تصوّر الجسد:
   
      انّ الجسد موضوع للإدراك لا أكثر، شأنه شأن بقيّة الموضوعات الخارجيّة.
     
هناك فصل جذريّ بين الذّات التّي تدرك ( هي ذات غير متجسّدة، طبيعتها فكريّة و نفسيّة ).  و الجسد كموضوع للإدراك.
                                                    
   الجسد لا يعبّر عن الذّات.
       انّ الجسد موضوع. لكنّه رغم ذلك متميّز بعض الشيء عن بقيّة موضوعات الإدراك الأخرى.

" انّ جسدي يتميّز عن الطّاولة أو الفانوس، لأنّه يدرك بصفة مستمرّة، في حين أنّه يتسنّى لي الإغضاء عنهما. "
   
إدراك الجسد مستمرّ لأنّ الجسد كموضوع لا ينفصل عن الذّات المدركة.

                    ¨        مميّزات الموضوع الادراكي حسب علم النّفس الكلاسيكي:

-         الموضوع " بنية لا تتغيّر ".



             
 الثّبات و الاستمراريّة في الفعل الادراكي.

       q   تعريف الاستمراريّة الادراكيّة Constance perceptuelle ( حسب روّاد علم النّفس الكلاسيكي ):

حالما يدرك موضوع معيّن كموجود قابل للتّحقّق و للتّعرّف، يقع اعتباره موضوعا يتّصف بخصائص دائمة و ثابتة، و ذلك بالرّغم من التّغيّرات الطّارئة على الفعل الادراكي، كتغيّرات الإضاءة، المكان، المسافة التّي تفصلنا عنه الخ...

مثال: رغم كوننا نشاهد أنّ الطّائرة التّي تحلّق في الجوّ صغيرة الحجم، فنحن نعلم مسبّقا أنّ هذه الطّائرة هي أكبر بكثير ممّا نشاهد.

الموضوع هو إذن بنية لا تتغيّر رغم التّحوّل الحاصل في حيثيّات الإدراك.
  
الإدراك = تحقّقا و تعرّفا Reconnaissance ( تصويب التّجربة الادراكيّة باستخدام الذّاكرة - و هي كذلك صفة نفسيّة -).

-         القابليّة للملاحظة:

     من صفات موضوعات الإدراك كذلك أن تكون قابلة للملاحظة، يعني بالإمكان تكوين رؤية شموليّة و كلّية عنها.

-         إمكانية الاختفاء عن مجال البصر:
    
من مميّزات الموضوع كذلك أنّ إدراكه لا يكون بشكل مستمرّ و متواصل، بل قد يحدث أن يختفي من مجال البصر.

      تفيد كلّ هذه الخصائص التّي يتّسم بها الموضوع في تجربة الإدراك أنّ هناك مسافة ضروريّة تفصل بين المدرِك و المدرَك.
  
تبدو الذّات المدرِكة، هنا، و كأنّها متعالية عن موضوعات الإدراك نفسها بما فيها الجسد.




      ¨        السّؤال الذّي يطرحه ميرلوبونتي على روّاد علم النّفس الكلاسيكي:

إذا صحّ أنّ الجسد موضوع لا ينفصل عنّي، " فهل يبقى عندئذ موضوعا ؟ ".

      ¨        الإجابة التّي قدّمها ميرلوبونتي:

انّ الجسد الخاصّ ليست له مميّزات الموضوع التّي قمنا بتحديدها سابقا:

-         فهو ليس بنية ثابتة لا تتغيّر.
-         و هو لا يقبل الملاحظة ( بمعنى رؤية كاملة و شاملة ).
-         و هو كذلك مستمرّ في مجالي البصري ( لا يمكن الإغضاء عنه ).
   
إذا كانت موضوعات الإدراك تتميّز بالاستمراريّة ( الثّبات ) رغم تغيّر منظوراتنا إليها، فانّ الجسد ليست له هذه البنية، و استمراريّته، كما يقول ميرلوبونتي، ليست من قبيل استمراريّة الأشياء.
  
الاستمراريّة في إدراكنا للأشياء الخارجيّة، يقتضي من الذّات أن تقوم بمقارنة بين الصّورة الحسّية الجديدة، التّي كوّنتها عن الموضوع، و بين الصّورة القديمة التّي تحملها في ذاكرتها عن الموضوع. الذّات، في إدراكها للموضوعات، تتعرّف على هذه الاستمراريّة ( تقوم بالمواجهة بين صورتين ). و هذه العمليّة غير ممكنة في إدراك الجسد الخاص، لأنّه ليس لدينا صورة كاملة عن جسدنا ( نحن لا نعرف أجسادنا، ليست لنا صورة مرئيّة عنه انطلاقا من ملاحظة ذاتيّة لأجسادنا ).

-   انّ أهمّ حدث في تشكّل الوعي الادراكي بالجسد يتمثّل في اكتساب صورة مرئيّة و في تمثّل الجسد الخاصّ، و ذلك بفضل تجربة المرآة. و تسمّى هذه الصّورة بالصّورة الانعكاسيّة Image spéculaire.

تمثّل صورة الجسد المرتسمة على المرآة الصّورة الوحيدة الكاملة التّي يحملها الجسد عن نفسه. فبالإمكان أن ينظر إلى يديه و إلى قدميه، و لكن يستحيل عليه أن يكوّن نظرة كلّية و شاملة عن جسده.
   
إذا لم تكن لدينا صورة قديمة كاملة و واضحة يحملها الجسد عن نفسه، فلا يمكن له أن يتعرّف على استمراريّته؛ بل انّ استمراريّة هذا الجسد مختلفة عن الاستمراريّة الادراكيّة لبقيّة الموضوعات.

-   انّ الجسد، كما يقول ميرلوبونتي " يمتنع عن الاستكشاف بمعنى أنّه لا يمكن أن نتعرّف عليه لأنّه ليس لدينا صورة كاملة عنه.

انّ جسدي ليس أمامي، في مواجهتي، بل أنا جسدي. و الصّورة التّي أحملها عنه هي بالأساس صورة محدودة و جزئيّة.

استمراريّة الجسد ليست استمراريّة موضوعيّة في العالم، بل هي استمراريّة ذاتيّة.



الجسد ينظر إلى نفسه    لا يمكن للأنا أن ينفصل
دائما من نفس الزّاوية.    عن حضور الجسد.
  
 الاستمراريّة، هنا، ليست استمراريّة حضور الإنسان كوعي، بل استمراريّة جسديّة بالأساس.




ينتقل ميرلوبونتي، في الجزء الأخير من النّص، إلى تبيان أنّه إذا كانت استمراريّة الجسد مختلفة جذريّا عن استمراريّة الموضوعات، فانّه لا يجب أن نغفل هذه الحقيقة، و هي أنّ:

   استمراريّة الجسد = شرط إدراك استمراريّة الموضوعات.
   الجسد = منظورنا إلى الأشياء.
  
    على عكس التّصوّر الدّيكارتي، و تصوّر علم النّفس الكلاسيكي، اللذّان يعتبران الإدراك نشاطا فكريّا و نفسيّا، يؤكّد ميرلوبونتي على العلاقة الوثيقة بين الفعل الادراكي و حضور الجسد في العالم.
   
الجسد هو الأصل الجذري لكلّ إدراك. انّه المنطلق لكلّ مكان ( فالمكان يبدأ عند أطراف
الجسد، و يمتدّ إلى أفق مجال بصر الجسد ).
  
انّ الجسد هو " شاشة بيننا و بين العالم " أو الشّرفة التّي منها نطلّ على الأشياء.
   
و بذلك يمكن الإقرار بأنّ الأشياء الموضوعيّة هي موجودة اليّ بواسطة جسدي. فبالجسد
أكون حاضرا إلى نفسي، و لمن بالجسد كذلك تكون الأشياء حاضرة اليّ و في متناولي.

إذا كانت فلسفة ديكارت الذّاتيّة تنتهي إلى رسم حدود فاصلة بين الذّات المفكّرة و العالم في مجال المعرفة و العلم، فانّ ميرلوبونتي، في بحثه الفينومينولوجي، يدعو إلى " العودة إلى الأشياء ذاتها ". و نحن لا نعود إلى الأشياء الاّ بترسيخ الفعل الادراكي، ليس في مجال الفكر و الوعي المتعالي و المستقلّ، بل في مجال الجسد ذاته.

     أنا من حيث أنّي فكر، متعالي عن العالم. و لكنّي، من حيث أنّي جسد، أوجد وسط العالم و بين الأشياء.

     تجربة الإدراك الجسديّة تعبّر عن التّلاحم و التّشابك و التّداخل بين جسدي و الأشياء.
يقول ميرلوبونتي:"انّ جسدي من نسيج العالم و لحمه "

محايثة الذّات للحياة و للأشياء و للعالم لا تكون الاّ بالتّخلّي عن الفصل القديم بين الذّات و الموضوع، و إعادة النّظر في دور الجسد في التّجربة الادراكيّة للعالم.

    و هكذا يواجه ميرلوبونتي موضوعيّة العلم المزعومة و السّاذجة، بسذاجة المفكّر الفينومينولوجي الذّاتيّة، الذّي يتعيّن عليه أن " يصوغ تجربة عالميّة و مماسّة مع العالم تسبق كلّ تفكير حول هذا العالم " ( ميرلوبونتي: المعنى و اللاّمعنى ).

    يقترح ميرلوبونتي على نفسه أن يلاحظ و أن يدرك العالم الذّي يسبق معرفتنا. و تجدر الإشارة هنا، أنّ هذا العالم، هو بالنّسبة إلى ميرلوبونتي، محمَّل بالدّلالات: فأن ندرك، هو، في الواقع، أن ندرك المعنى.

    انّ الدّلالة مرتسمة في نسيج العالم ذاته.

المقاربة الذّاتيّة المثاليّة                              المقاربة الفينومينولوجيّة

علاقة الذّات بالأشياء تأمّليّة.                         علاقة الذّات بالأشياء ادراكيّة.
        انقطاع.                                                اتّصال.         
بهذا الانقطاع يتمّ الكشف                              عبر هذا التّشابك في إطار الفعل الادراكي،
عن الحقيقة المطلقة،                                 بين الجسد و العالم لا يكشف عن حقيقة
الكاملة، الشاملة، و الأهمّ                              نظريّة كلّية و مطلقة، بل عن معنى يحدّد
من هذا كلّه أنّها منقطعة                               المشروع الذّي يضمّ الجسد إلى الأشياء
عن مجال الفعل و الممارسة                          المحيطة و يضمّ الجسد إلى الأجساد
الإنسانية.                                              الآخرين( مجال البينذاتيّة ).

الحقيقة: موقع متعال يمكّن                           المعنى: رسم لموقع إدراك و فعل
من النّظر بإطلاق و لكنّه                         محدودين بين الأشياء.
لا يمكّن من الفعل.                                           



مكاسب النّص:

      ×        تجاوز التّصوّرات العلميّة التّي تختزل الجسد في صورة موضوع.
      ×        التـأكيد على أنّ الجسد هو الذّات الحقيقيّة و البدئيّة و الأصليّة ( الذّي يدرِك هو الجسد ).
      ×        تجاوز التّمزّق القديم بين المعرفة و الحياة و العالم، بفضل استبدال التّأمّل الفكري بالإدراك
   الجسدي.
Ø          إبراز أنّ إدراك المعنى رهين لمنظوريّة الجسد إلى الأشياء.


مهمة الأنا
                                                        ( انظر التحليل )


ثمة قول مأثور ينصح الإنسان بألاّ يخدم سيدين في آن واحد. و الأمر أدهى وأسوأ بكثير بالنسبة إلى الأنا المسكين إذ عليه أن يخدم ثلاثة أسياد قساة، وهو يجهد نفسه للتوفيق بين مطالبهم . وهذه المطالب متناقضة دوما، وكثيرا ما يبدو التوفيق بينها مستحيلا، فلا غرابة إذن أن يخفق الأنا غالبا في مهمته . وهؤلاء المستبدون الثلاثة هم العالم الخارجي والأنا الأعلى و الهو، وحين نعاين ما يبذله الأنا من جهود ليعدل بين الثلاثة معا، أو بالأحرى ليطيعهم جميعا، لا نندم على أننا جسمنا الأنا وأقررنا له بوجود مستقل بذاته ، إنه يشعر بأنه واقع تحت الضغط من نواح ثلاث، وأنه عرضة لثلاثة أخطار متباينة يرد عليها، في حال تضايقه ، بتوليد الحصر. وبما أنه ينشأ أصلا عن تجارب الإدراك ، فهو مدعوّ إلى تمثيل مطالب العالم الخارجي ، غير أنه يحرص مع ذلك على أن يبقى خادما وفيّا للهو، وأن يقيم وإياه على تفاهم ووفاق ، وأن ينزل في نظره منزلة الموضوع ، وأن يجتذب إليه طاقته الليبيدية. وكثيرا ما يرى نفسه مضطرا ، وهو الذي يتولى تأمين الاتصال بين الهو و الواقع ، إلى التستر على الأوامر اللاّشعورية الصادرة عن الهو بتبريرات قبل شعورية وإلى التخفيف من حدة المجابهة بين الهو والواقع ، وإلى سلوك طريق الرّيّاء ا لدبلوماسي و التظاهر باعتبار الواقع ، حتى وإن أبدى الهو تعنتا وجموحا. ومن جهة أخرى، فان الأنا الأعلى القاسي ما يفتأ يراقبه ويرصد حركاته ، ويفرض عليه قواعد معينة لسلوكه غير مكترث بالصعاب التي يقيمها في وجهه الهو والعالم الخارجي . وإن اتفق أن عصى الأنا أوامر الأنا الأعلى عاقبه هذا الأخير بما يفرضه عليه من مشاعر أليمة بالدونية والذنب . على هذا النحو يكافح الأنا، الواقع تحت ضغط الهو و الرازح تحت نير اضطهاد الأنا الأعلى والمصدود من قبل الواقع ، يكافح الإنجاز مهمته الإقتصادية و لإعادة الانسجام بين مختلف القوى الفاعلة فيه والمؤثرات الواقعة عليه . ومن هنا نفهم لماذا يجد الواحد منا نفسه مكرها في كثير من الأحيان على أن يهتف بينه وبين نفسه : " آه ، ليست الحياة بسهلة ".


فرو يد

" محاضرات جديدة في التحليل النفسي "

الأطروحة: انّ مهمّة الأنا، تكمن في التّوفيق بين مطالب الواقع و الأنا الأعلى و الهو.

الإشكالية: ما منزلة الأنا الحقيقيّة في الحياة النّفسيّة ؟ و فيم تتمثّل مهمّته ؟

بنية النّص المنطقيّة:

1-               تحديد الأطروحة.
2-                الإشارة إلى علاقة التّمزّق، الذّي يعيشها الأنا، بين مطلب الواقع و مطلب الهو ( اللّذّة ).
3-                إبراز الرّقابة الأخلاقيّة التّي يسلّطها الأنا الأعلى على الأنا.

     انّ كلّ إنسان ينتمي، في نفس الوقت و بصفة مزدوجة، إلى:

-         حياة بيولوجيّة عضويّة.
-          حياة اجتماعيّة.

      ¨        انّ الانتماء إلى الحياة العضويّة بواسطة الجسد، يفترض حضور تحديدات طبيعيّة خاصّة بالكائنات الحيّة. هذه التّحديدات هي: الشّهوات، الرّغبات، الميولات و النّوازع ك: الجوع، الرّغبة الجنسيّة و العدوانيّة.

      ¨         انّ الانتماء إلى الحياة الاجتماعيّة و العيش مع الآخرين، يقتضي من جهته خضوع الإنسان إلى جملة من القوانين و إلى أوامر اجتماعيّة، أخلاقيّة و قانونيّة تضبط الحياة الاجتماعيّة.

      ليس هناك انسجام و توافق بين ما يطالب به الجسد و بين ما تقتضيه القوانين و الضّوابط الأخلاقيّة.
    
انّ الأنا، و قد أصبح ميدانا لصراع بين قوى متضادّة و متناقضة، يحاول أن يخلق نوعا من التّوازن الظّرفي و النّسبي بين هذه المطالب المتضادّة.


                   q       التّصوّر الفرويدي للجهاز النّفسي:

      ¨        الأنا: هو العنصر المركزي في بنية الشّخصيّة. فهو الذّي يخلق نوعا من التّوازن بين التّركيبة العضويّة/ البيولوجيّة للكائن الإنساني و ما تحتّمه من ضرورات و مطالب، و بين الواقع الخارجي و ما يفرضه من موانع، مراعيا في ذلك سلطة أخلاقيّة مستبطنة في تركيبة الشّخصيّة ذاتها.

يبدأ تشكّل الأنا، بالنّسبة إلى فرويد، منذ لحظة الولادة، و ذلك عبر المواجهة التّي يقيمها مع العالم الخارجي للبشر و للأشياء..

يتعلّم الأنا، منذ البداية، كيف يعدّل سلوكه بواسطة التّحكّم في دوافعه الممنوعة اجتماعيّا.

يلعب الأنا دور الوسيط بين الدّوافع اللاّشعوريّة و الضّوابط الاجتماعيّة التّي تحوّلت إلى مكتسبات شخصيّة.

      ¨         الهو: انّ الشّكل البدئي و الأصلي للنّشاط النّفسي. مضامينه لا شعوريّة و تتألّف من دوافع غريزيّة ( عدوانيّة أو جنسيّة ) و رغبات مكبوتة.

انّ رغبات الهو خاضعة فقط لمبدأ اللّذّة أو لمبدأ الألم. تجهل تماما مبدأ الواقع و العلاقات المنطقيّة و السّببيّة.

( مبدأ الواقع: هو المقابل لمبدأ اللّذّة. يقوم بتعديل مبدأ اللّذّة، و ذلك بتكييفه وفقا لمطالب و لضوابط العالم الخارجي. فحين يتشكّل " الأنا-الواقع "، تكتشف الذّات واقعيّة العالم الخارجي و حدودها في نفس الوقت.)

      ¨         الأنا الأعلى: انّه وريث عقدة أوديب. يتشكّل عن طريق استبطان المطالب و الموانع الأبويّة. دوره شبيه بدور المحاكم أو المراقب بالنّسبة إلى الأنا. انّه سبب الشّعور الأليم بالدّونيّة و الذّنب ( تأنيب الضّمير ).

يتمثّل دور الأنا، بالنّسبة إلى فرويد، في التّوفيق و في تحقيق الانسجام بين هذه المكوّنات المتناقضة و المتعارضة للشّخصيّة ( الواقع، الهو، الأنا الأعلى ).

هكذا يمكن القول أنّ فرويد قدّم صورة جديدة للإنسان. فحين يعتقد ديكارت أنّ دلالة الذّات الإنسانية يمكن اختزالها و حصرها في العمليّات العقليّة للتّفكير الواعي بذاته، فانّ فرويد يؤكّد أنّ هذه العمليّات العقليّة الواعية، لا تشكّل الاّ السّطح المرئي لشخصيّة الإنسان. و أنّ الإنسان هو أوّلا و قبل كلّ شيء، مجموعة من التّناقضات و من الصّراعات النّفسيّة بين مطالب الغرائز و الرّغبات في الإشباع و مطالب القيم الأخلاقيّة و الاجتماعيّة للأنا الأعلى.

1 commentaire:

  1. The Magic is back at The Magic at The Magic - KTNH
    The Magic 제주 출장샵 at The Magic is 익산 출장샵 back at 경상남도 출장샵 The Magic at The 안산 출장안마 Magic. We've got you covered! See the 충청남도 출장안마 Magic at The Magic's recent lineup

    RépondreSupprimer